الحياة الزوجية ضرب من ضروب العلاقات الإنسانية الوطيدة، بل هي أشد العلاقات ترابطا وتجاورا وتلاحما، وهي بالتالي تخضع لأصول سلوكية وقواعد مرعية وفنون إنسانية.. مطلوب منا أن نمارسها بمزيج من المهارة والحب والإيثار، لذلك لا غرابة أننا في حالة التفريط في هذه القواعد أن نصاب بما يعرف بخيبة الأمل الزواجي التي نشعر في أتونها أننا كنا في فترة عزوبتنا أسعد حالا وأكثر إنطلاقا وتحررا.
فما أصعب أن يتحول الزواج من عش هادئ إلى قيد وغل يقيد حياتنا ويجرف ضعاف النفوس منا إلى جحيم الطلاق أو الخيانة الزوجية، والإحصاءات في بعض المجتمعات تكاد تكون مخيفة، فهل لنا من عودة إلى الالتزام بالأسس الواضحة لهذه الحياة كي ننعم بجنتها ولا نصطلي بنارها.
= لا تتزوج إبتداء من امرأة ترى أنها أفضل منك أو كأنها تسدي إليك معروفاً بإرتباطها بك -الشخصية النرجسية أو المتعالية- واعلم أنك إذا فعلت ذلك فسوف تتحول حياتكما الزوجية إلى نكد دائم وتعاسة مستمرة، فإما أن ترضخ لزوجتك بإعتبارها صاحبة المعروف والشريك الأعلى كما تتوهم هي، وبذلك تفقد إعتبارك وإحساسك بالأهمية، وإما أن تطالب بحقك في القوامة والريادة والمسئولية، وعند ذلك لن تخضع لك شريكتك لأنها تنظر إليك على الدوام نظرة الشريك الأدنى، ففي كلا الحالتين سوف تنشأ المشكلات
= جميل أن نلتزم بأقصى درجات المرونة والتغافل لنكسب من نحب، وجميل أن نوهم من أمامنا أنه أكثر حكمة ودراية ومعرفة، فلا يخلو شخص من نقص، ومن المستحيل على أي زوجين أن يجد كل ما يريده أحدهما في الطرف الآخر كاملاً، ولهذا على كل واحد منهما تقبل الطرف الآخر والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات أو طبائع ما دامت في حدود المقبول، وكما قال الإمام أحمد بن حنبل: تسعة أعشار العافية في التغافل.
وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما نتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور، وقيل أيضا: ما استقصى كريم قط..، كثرة العتاب تفرق الأحباب.
= لابد من قضاء وقت أطول معا يتخلله بعض اللعب والمزاح والإنبساط وطرح التكلف، فالعشرة من شأنها أن تجدد الحب، والغفوة تسبب الجفوة، وتؤجج نار الظنون السيئة، أما تبادل أطراف الحديث من شأنه أن يتعرف كل طرف على دواخل الآخر، ويعذر البريء المسيء، ويشارك كل منهما مشاعر الطرف الآخر.
= الإبتسامة لها مفعول السحر على رفيق الحياة، بل على كل من حولنا عموما، فمن يضحك أكثر يستمتع أفضل بعلاقته الزوجية، ومن لا يضحك تصبح حياته جافة مملة.. إن الإبتسامة بهجة الحياة الزوجية التي تستطيع أن ترفع عن كاهل الزوجين أعباء المسئوليات الجسام، وهي نعمة سماوية، ومفتاح للسعادة الزوجية في حد ذاتها.
= العش الزوجي هو الذي يدخل فيه شخصان بمزاجين مختلفين، ومن بيئتين متفاوتتين، ويحملان في ذاتهما فكراً وفهماً يتباين عن الآخر، ولا يكون عشهما ذهبياً حتى يُملأ من الحس الذهبي بوجود الآخر، والإحترام الذهبي لكلّ منهما تجاه الآخر، وبالعكس يفقد العش الزوجي ذهبيته عندما يفكر كلا من الزوجين بنفسه وبسعادته دون الآخر، ويتوقع أن يأخذ من الآخر أكبر قدر من التنازلات، عندئذ لا يتبادل الشريكان رسائل الحب والتقدير والتضحية بل رسائل الأنانية والإنكباب على الذات وإستغلال الآخر، وبالطبع لن تستقبل هذه الرسائل بودّ وإحترام، لأنها لا تحمل أية معان جميلة للآخر.
= ليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططاً، وينهكها في تحقيق حقوقه تعباً، بل عليه أن يسلك هدياً قاصداً، ويتغاضى عن بعض حقوقه في سبيل تحقيق المهم منها.. إحساناً للعشرة، وتخفيفاً على الزوجة، ولا ننسى أن قدوتنا النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته في مهنة أهله، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]
قال أهل التفسير: هذا من بديع الكلام، إذ حذف شيئاً من الأول أثبت نظيره في الآخر، وأثبت شيئاً في الأول حذف نظيره في الآخر، وأصل التركيب: ولهنّ على أزواجهنّ مثل الذي لأزواجهنّ عليهنّ. {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} وقال ابن عباس: تلك الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخُلق، أي: إن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه.
وكذا حال المرأة مع زوجها، فلا هي باللحوحة ولا الشكاية ولا التي في مقارنات دائمة بين حالها وحال جيرانها ورفيقاتها، بل هي الهينة اللينة التي تنشد استدامة محبة زوجها، وتكسب ثقته ومودته.
= من أكبر الأخطاء التي نقع فيها أن يعامل الرجل المرأة على أنها رجل مثله، فالمرأة لا تأخذ الأمور كما يأخذها الرجل، فهو يهتم بأساسيات المشكلة، لكن المرأة تهتم بالتفاصيل وتعطيها أهمية أكبر من لب الموضوع، لذلك من المهم مراعاة ذلك عندي أي نقاش للخروج من الأزمة بحل يرضي الطرفين.
= المرأة لا تريد التعامل بالمنطق دائماً، لأن مشاعرها تغلب عقلها في أغلب الأحيان، وهي لا تريد أن تحاسب بدقة على كل كلمة تتفوه بها، بل تريد أن يتغاضى الرجل عن تقلبات مزاجها، وألا يغضب من دلالها عليه، ومن بعض متطلباتها غير المهمة بالنسبة له.
= ليست الزوجة فقط هي المسئولة عن حدوث الجفاف العاطفي بين الزوجين، فالمرأة كثيرا ما تتعرض إلى أسباب تؤدي بها إلى تعكر المزاج والقلق والتوتر، كهموم تربية الأطفال وضغوط فترة الطمث وزيادة أو نقص الهرمونات، وعلى الزوج أن يدرك ذلك جيدا، وهو أيضا يكون مسئولا عن هذا الجفاف العاطفي عندما يتعرض لمشكلات في عمله، فينعكس ذلك على علاقته بزوجته وأبنائه فيحصل الشجار والمشاكل، لذلك من دوام العشرة التماس الأعذار للآخر.
= على كل من الزوجين أن يتفهم غيرة شريكه، خاصة إذا كانت في الحدود المعقولة، على أن لا تصل الغيرة إلى الشك ومحاصرة الشريك ولغة التخوين وأساليب المحاسبة على كل موقف صغر أم كبر.
= تشاركا في الرأي والمشورة.. وذلك لا يعني أبدا أنك -عزيزي الزوج- تنازلت عن رجولتك لأنك صاحب القرار، بل على العكس تماما، فالزوجة عندما تسمع كلمة: أريد آخذ رأيك في شيء مهم، يكون لذلك أثرا قويا على نفسيتها، لأن ذلك يعني أن لها مكانة غالية لديك، وهذا هو ما تريده الزوجة، ولعل في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية دليلا وهاديا، فعندما تأثر الصحابة من بعض ما جاء في الصلح واحتار الرسول صلى الله عليه وسلم في كيفية إزالة هذا الأثر عنهم وحثهم على الحلق والعودة إلى المدينة، فسأل السيدة أم المؤمنين فاقترحت عليه أن يخرج أمام الناس ويحلق هو أمامهم، فإذا رأوه -وهو قدوتهم- سيفعلون مثله وينتهي الموقف وفعلا هذا ما كان.. فإذا كان رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يستشير زوجته في قرار غاية في الأهمية، فهل يمتنع بعضنا عن مشاورة زوجاتهم عن أمور أقل من ذلك بكثير؟!
= كلا الزوجين مطالب بأن يراعي حق صاحبه في والديه وأقاربه، وألا يذكر أحداً منهم بسوء، فإن ذلك يوغر الصدور، ويجلب النفرة بينهما، وكم من زوج تحدث أمام حليلته بسلبيات أبيها وسقطاته -وهو مَن هو في جلالة قدره عندها- فأحدث ذلك ألماً في قلبها أطفأ شمعة السعادة المضيئة في حياتها الزوجية، وأشد من ذلك الحديث عن أمها، وإذا كان هذا في حق الزوج وله القوامة، فما بالك بحديث الزوجة عن والدي زوجها بسوء.
ولسنا نلزم أحداً منهما بمحبة أقارب الآخر، فالقلوب بيد الرحمن، يصرفها كيف يشاء، ولكنا نُحتِّم عليه أن يحفظ لصاحبه مشاعره، وكرامته وعرضه، وأقارب كلا الزوجين يجب إحترامهم وتقديرهم وعدم الإساءة إليهم، أما عن علاقة الزوجين بالجيران، فتختلف بإختلاف الجيران، فينبغي عليهما تحديد إطار مسبق لعلاقتهما بهم.
= مراعاة الإستمرارية والنفس الطويل في العطاء حتى وإن كان الطرف الآخر لا يبادل نفس العطاء، وهنا نعود لقاعدتي -الإخلاص، والتجارة مع الله- وهذه مجاهدة يجيدها من لديه إصرار على نجاح أسرته وعلاقته بشريكه.. إن الحياة الزوجية بمعناها الحقيقي حياة عطاء فهي حياة قوامها واجبات على كل طرف من الأطراف قبل أن تكون له حقوقاً، ومن ذلك كان لزاماً على كلا الزوجين أن يتنازلا طوعاً عن كل ما كان ينعم به من حرية شخصية وإستقلالية قبل الزواج، وعلى كل منهما أن يضحي عن طيب خاطر، وأن يكون شعار الحياة الزوجية التضحية المشتركة، فلا يشعر أحدهما أنه يضحي في حين أن الآخر يضن بالتضحية، ومن لم يكن لديه القدرة على التضحية، عليه أن ينتحي ناحية من المجتمع، وينعزل عن الناس، وأن لا يطرق باب الزواج أصلا.
الكاتب: د. خالد سعد النجار.
المصدر: موقع اسلام ويب.